30 - 04 - 2025

ترنيمة عشق | إعلام زليخة

ترنيمة عشق | إعلام زليخة

بمناسبة الضجة التي حدثت مؤخرًا حول الفن أو الدراما المصرية.. وهل تقدم الصورة الحقيقية للمجتمع أم لا.. تذكرت هذا الموقف.

باكستانيّ كان سائق التاكسي الذي ركبت معه في مدينة "أبوظبي"، أمليته العنوان الذي أود الذهاب إليه، ولمّا لم يُجبني بكلمة أو حتىٰ بإيماءة من رأسه أعدتُه عليه، وبصعوبةٍ شديدةٍ وبحروفٍ لا تشبه أية لغة أعرفها مصحوبة ببعض الإشارات.. تأكدتُ أنه يفهم مقصدي؛ ولكنه لا يجيد العربية ولا الإنجليزية، ولا يتقن سوىٰ لغته "الأوردو"، وأنه وافد جديد علىٰ دولة الإمارات التي تضم مزيجًا بشريًا من أكثر من 200 دولة وجنسية يعملون في كافة التخصصات.

الصمت كان سيد الموقف؛ فكل منا يجهل لغة الآخر، لكني لمحته ينظر إليّ طويلًا في المرآة الأمامية وعيناه تحمل تساؤلًا ما، استبد بي" الفضول الصّحفي" وأرسلت له عيناي رسالة مفادها: "سل ما تريد"، فبذل جهدًا ليسألني عن جنسيتي؛ ربما محاولة منه ليتعرف علىٰ عالمه الجديد الذي يعج بعشرات الجنسيات والألسن.

أجبته بأنّي مصرية، ولدهشتي فهم الكلمة بسرعة، وابتسم ابتسامةً ذات مغزىٰ لم أطمئن له، وسمعته يتمتم قائلًا: "زليخة".. ثم صمت بعدها ولم ينطق ببنت شفة.. وساد الهدوء التام.

حاولت أن أسأل عن مقصده فلم يُجب، وأشاح بوجهه عن المرآه.. وصوب ناظريه تجاه الطريق ولم يلتفت إليّ، بل ولم يعد ينظر لي في المرآة!!

وصلتُ إلىٰ بغيتي، ونزلت من سيارة الأجرة ورأسي تموج بالأفكار، ويعج به القلق وعلامات الاستفهام.. تُراه يقصد أن مصر مذكورة في القرآن؟ فلماذا قال إذن "زليخة" ولم يقل "يوسف" -عليه السّلام-؟! أَم يُلمّح إلىٰ أنها راودت النّبي -عليه السّلام- عن نفسه؟ فراجعت الكلمات القليلة التي تحدثت فيها مع السائق، فلم أجدني قد ألنت له القول حتىٰ يُشبّهني بها، إذن هل يقصد توبتها وتبرئتها للصّديق وكيف أصلح الله لها بالها؟ فلم أحس أن هذا مغزىٰ ابتسامته غير البريئة.. الحقيقة تعبت من التفكير ولم أجد إجابة تُريحني، وحاولت كثيرًا نسيان هذا الحادث فلم أفلح.

ظل هذا الموقف عالقًا بذهني عدة أشهر مُسببًا لي حالة من القلق، حتى ذهبت ذات مرة مع ابنتي لحديقة السيدات؛ وهي من الأفكار الجميلة في دول الخليج، حيث تُخصّص للنساء والأطفال فقط -دون سن الحُلم- حدائق مجهزة بالألعاب الالكترونية، والملاعب الرياضية، لتمارس النساء اللهو واللعب، وحتى ركوب المراجيح دون خشية من العيون المتلصّصة، وقد يتحلقن ليمارسن الرقص والغناء كل حسب جنسيته، يرددن أغاني وأهازيج تذكرهن بالوطن الذي لا يُنسىٰ، ونظرًا لارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، تتخفف بعضهن من ثيابهن دون حرج؛ فلا وجود للرجال أبدًا بالحديقة.. حتىٰ الموظفات والعاملات من النساء.

التقيتها أخيرًا أثناء إحدىٰ زياراتي المتتالية للحديقة، امرأة باكستانية.. سمعتها تتحدث بالإنجليزية والعربية، اقتربت منها، وتعرّفت عليها، وانتهزت الفرصة وقصصتها ما كان من السائق الباكستاني؛ وسألتها تفسيرًا يريحني.

أحسّت المرأة ببعض الحرج والخجل؛ وحاولتْ التهرب من الإجابة، رجوتها وألححت عليها، وبحياءٍ شديدٍ فاجأتني قائلة:  "إن زليخة امرأة لعوب؛ تغوي الرجال؛ ولا تردعها أخلاق، وقد كانت مصرية"، حاولت كظم غيظي، وقلت لها بهدوء: أن "زليخة" تابت وأنابت، وأنها لم تكن مصرية كما تقول بعض المراجع، بل من الهكسوس الأسيويين الذين غزوا مصر في تلك الفترة وحكموها لحين استرد الفراعنة العرش ثانية.

فتجرأت الباكستانية لتصيبني في مقتل قائلة: "دعك من زليخة، ألا ترين أن هذا حال المرأة المصرية؟!  فنحن نراكن هكذا علىٰ شاشات فضائياتكم، نحن إذا أردنا الصلاة والقرآن نشاهد الفضائية السعودية، وإذا أردنا الرقص والمجون نشاهد الشاشة اللبنانية والمصرية، هذه هي أفلامكم وهذا هو إعلامكم الذي يصور المرأة المصرية على أنها لعوب بلا قيم ونموذج للخيانة وإقامة العلاقات المحرّمة".

روعتني إجابة المرأة، صمتُّ وفي فمي ماء من الفن والإعلام المصري ذي اليد الطولىٰ في تشويه صورة المرأة المصرية، تركتُ الباكستانية ومضيت وأنا أردد في نفسي: أصابت المرأة وأجرم إعلامنا.
--------------------------
بقلم: حورية عبيدة


مقالات اخرى للكاتب

ترنيمة عشق | إعلام زليخة